سورة الشعراء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)}
لا بد في {يَسْمَعُونَكُمْ} من تقدير حذف المضاف، معناه: هل يسمعون دعاءكم.
وقرأ قتادة: {يسمعونكم}، أي: هل يسمعونكم الجواب عن دعائكم؟ وهل يقدرون على ذلك؟ وجاء مضارعاً مع إيقاعه في إذ على حكاية الحال الماضية. ومعناه: استحضروا الأحوال الماضية التي كنتم تدعونها فيها، وقولوا هل سمعوا أو أسمعوا قط. وهذا أبلغ في التبكيت.


{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)}
لما أجابوه بجواب المقلدين لآبائهم قال لهم: رقوا أمر تقليدكم هذا إلى أقصى غاياته وهي عبادة الأقدمين الأوّلين من آبائكم، فإن التقدّم والأوّلية لا يكون برهاناً على الصحة، والباطل لا ينقلب حقاً بالقدم، وما عبادة من عبد هذه الأصنام إلا عبادة أعداء له، ومعنى العداوة قوله تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [مريم: 82] ولأنّ المغري على عبادتها أعدى أعداء الإنسان وهو الشيطان، وإنما قال: {عَدُوٌّ لِى} تصويراً للمسألة في نفسه، على معنى: أني فكرت في أمرى فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أوّلاً وبني عليها تدبير أمره، لينظروا فيقولوا: ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه، ليكون ادعى لهم إلى القبول، وأبعث على الاستماع منه. ولو قال: فإنه عدوّ لكم لم يكن بتلك المثابة، ولأنّه دخل في باب من التعريض، وقد يبلغ التعريض للنصوح ما لا يبلغه التصريح؛ لأنه يتأمّل فيه، فربما قاده التأمّل إلى التقبل. ومنه ما يحكى عن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت، لاحتجت إلى أدب، وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال: ما هو ببيتي ولا بيتكم. والعدوّ والصديق: يجيئان في معنى الوحدة والجماعة. قال:
وَقَوْمٍ عَلَيَّ ذَوِي مِرَّةٍ *** أَرَاهُمْ عَدُوًّا وَكَانُوا صَدِيقَا
ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50] شبها بالمصادر للموازنة، كالقبول والولوع، والحنين والصهيل {إِلاَّ رَبَّ العالمين} استثناء منقطع، كأنه قال: ولكن رب العالمين {فَهُوَ يَهْدِينِ} يريد أنه حين أتمّ خلقه ونفخ فيه الروح، عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كلّ ما يصلحه ويعنيه، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصاً، ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة، وإلى معرفة مكانه، ومن هداه لكيفية الارتضاع، إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد، وإنما قال: {مَرِضْتُ} دون (أمرضني) لأنّ كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك. ومن ثم قالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى: ما سبب آجالكم؟ لقالوا: التخم. وقرئ: {خطاياي}، والمراد: ما يندر منه من بعض الصغائر؛ لأنّ الأنبياء معصومون مختارون على العالمين. وقيل: هي قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63] وقوله لسارّة: هي أختي. وما هي إلا معاريض كلام، وتخييلات للكفرة، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار.
فإن قلت: إذا لم يندر منهم إلا الصغائر وهي تقع مكفرة، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا وطمع أن تغفر له؟ قلت: الجواب ما سبق لي: أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم، وهضم لأنفسهم، ويدل عليه قوله: {أَطْمَعُ} ولم يجزم القول بالمغفرة. وفيه تعليم لأممهم، وليكون لطفاً لهم في اجتناب المعاصي والحذر منها، وطلب المغفرة مما يفرط منهم.
فإن قلت: لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين، وإنما تغفر في الدنيا؟ قلت: لأنّ أثرها يتبين يومئذٍ وهو الآن خفي لا يعلم.


{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}
الحكم: الحكمة، أو الحكم بين الناس بالحق. وقيل: النبوّة؛ لأنّ النبي ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله. والإلحاق بالصالحين: أن يوفقه لعمل ينتظم به في جملتهم، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة. ولقد أجابه حيث قال: {وَإِنَّهُ فِي الاخرة لَمِنَ الصالحين} [البقرة: 130]، [النحل: 122]، [العنكبوت: 27]. والإخزاء: من الخزي وهو الهوان. ومن الخزاية وهي الحياء. وهذا أيضاً من نحو استغفارهم مما علموا أنه مغفور وفي {يُبْعَثُونَ} ضمير العباد، لأنه معلوم. أو ضمير الضالين. وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه، يعني: ولا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله} إلا حال من أتى الله {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وهو من قولهم:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ ***
وما ثوابه إلا السيف. وبيانه أن يقال لك: هل لزيد مال وبنون؟ فتقول: ماله وبنوه: سلامة قلبه، تريد نفي المال والبنين عنه، وإثبات سلامة القلب له بدلاً عن ذلك. وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غني من أتى الله بقلب سليم؛ لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. ولك أن تجعل الاستثناء منقطعاً. ولا بدّ لك مع ذلك من تقدير المضاف وهو الحال، والمراد بها سلامة القلب، وليست هي من جنس المال والبنين، حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب. ولو لم يقدر المضاف، لم يتحصل للاستثناء معنى. وقد جعل {مِن} مفعولاً لينفع، أي: لا ينفع مال ولا بنون، إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع. ويجوز على هذا {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من فتنة المال والبنين. ومعنى سلامة القلب: سلامته من آفات الكفر والمعاصي، ومما أكرم الله تعالى به خليله ونبه على جلالة محله في الإخلاص: أن حكى استثناءه هذا حكاية راض بإصابته فيه. ثم جعله صفة له في قوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84] ومن بدع التفاسير: تفسير بعضهم السليم باللديغ من خشية الله. وقول آخر: هو الذي سلم وسلم وأسلم وسالم واستسلم. وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين، حين سألهم أوّلاً عما يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع على تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة فضلاً أن يكون حجة، ثم صوّر المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله عز وعلا، فعظم شأنه وعدّد نعمته، من لدن خلقه وإنشائه إلى حين وفاته، مع ما يرجى في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك أن دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذٍ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13